تراجع الطلب على أدوات الدين الحكومية المصرية خلال الفترة الماضية بعد فورة كبيرة في الطلبات المقدمة من المستثمرين في أعقاب تعويم الجنيه المصري.

وتظهر بيانات للبنك المركزي المصري تتبعتها «CNN الاقتصادية» أن العروض المقدمة لشراء أذون خزانة قصيرة انخفضت بشدة مقارنة بالأسابيع التي تلت تعويم الجنيه، ما اضطر الحكومة المصرية لبيع أدوات دين بأقل من المستهدف لها في وقت انخفض العائد عليها.

وأذون الخزانة هي أدوات مالية يطرحها البنك المركزي المصري نيابة عن وزارة المالية المصرية بشكل دوري أسبوعياً، بهدف مساعدة الحكومة على تمويل عجز الموازنة العامة وتلبية احتياجاتها.

ويأتي تراجع الطلب على أذون الخزانة المصرية في وقت يسجل سعر الدولار مقابل الجنيه ارتفاعاً متتالياً إذ عاد ليتخطى حاجز 48 جنيهاً مرة أخرى بعد أن كان قد تراجع عن هذا المستوى الشهر الماضي.

مصر تبيع أذون خزانة دون المستهدف

اضطر البنك المركزي المصري لبيع أذون خزانة لأجل 6 أشهر نهاية الأسبوع الماضي، بأقل من القيمة المستهدفة له مع تراجع العروض المقدمة للشراء وارتفاع العائد المطلوب من المستثمرين.

وكان المركزي يطلب 30 مليار جنيه إلا أن العروض المقدمة له بلغت 24.4 مليار جنيه، ما دفعه لبيع أذون خزانة بقيمة 3.68 مليار جنيه مع ارتفاع العائد المطلوب من المستثمرين والبالغ 35%.

وبلغ متوسط العائد على هذه الأذون المباعة نحو 25.928 في المئة.

وهذه ليست المرة الأولى، فخلال العطاء السابق للأجل نفسه اضطر المركزي لبيع أذون بقيمة نحو 761 مليون جنيه مقابل 30 مليار جنيه كان يطلبها في عطائه مع انخفاض العروض المقدمة له والبالغة 26.7 مليار جنيه وكذلك ارتفاع العائد المطلوب.

وتكرر الأمر ذاته في عطاءات أذون الخزانة لأجل 9 أشهر، فخلال آخر عطاء أمس الأحد باعت مصر أذوناً بقيمة نحو 2.35 مليار جنيه مقابل 25 مليار جنيه كانت تستهدف بيعها بعد أن تلقت عروضاً بقيمة 15.35 مليار جنيه.

وخلال منتصف الأسبوع الماضي تكرر الأمر إذ باعت أذون خزانة لأجل 9 شهور بقيمة 4.39 مليار دولار، بينما تلقت مصر طلبات بقيمة 26.5 مليار جنيه وهو ما يعني أقل من المستهدف البالغ 30 مليار جنيه.

وفي أعقاب قرار تعويم الجنيه المصري انهالت العروض على شراء أدوات الدين الحكومية في ظل الانخفاض الشديد لسعر الجنيه مقابل الدولار، ما أسهم في تغطية الطلب على أذون الخزانة بأضعاف الرقم المستهدف بيعه مع ارتفاع العائد المقدم والذي تخطى 30 في المئة.

تراجع الطلب على أدوات الدين المصرية

يبدو تراجع الطلب على أدوات الدين الحكومية أمراً طبيعياً مع تراجع العائد المقدم من الحكومة المصرية حالياً مقارنة بالفترات التي تلت التعويم، حسب ما يقول مصرفيون وخبراء اقتصاديون لـ«CNN الاقتصادية».

ويقول أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي، إن المستثمرين يبحثون على معدل عائد مرتفع ومخاطر منخفضة، لكن في الوقت الحالي أصبح العائد غير مغرٍ.

وبدأت الحكومة المصرية قبول طلبات من المستثمرين بعائد منخفض نظراً لارتفاع تكلفة تمويل هذه الديون في أعقاب التعويم، وهو ما يمثل زيادة الأعباء على الموازنة العامة المصرية، وفقاً لشوقي.

وبحسب المصرفي السابق، محمد عبدالعال، فإن الحكومة المصرية خفضت العائد المقدم على أدوات الدين من أجل خفض عجز الموازنة الذي يموله ارتفاع تكلفة فوائد الديون، وبالتالي انخفض الطلب عليها سواء من المستثمرين الأجانب أو المحليين.

وفي العام المالي الحالي رفعت وزارة المالية المصرية تقديراتها لأسعار الفائدة على أذون الخزانة والسندات الحكومية لتصل إلى 23.5 في المئة، خلال تقريرها نصف السنوي لهذا العام، مقابل 18.5 في المئة كانت تتوقعها وقت إعداد الموازنة، وهو ما يعني كلفة أكبر للحكومة المصرية.

وتظهر بيانات وزارة المالية المصرية أن فوائد الديون تستحوذ على النصيب الأكبر من مصروفات الموازنة المصرية على مدار السنوات الماضية.

ووفقاً لموازنة العام المالي الجاري يقدر بند فوائد الديون بنحو 1.120 تريليون جنيه من إجمالي مصروفات تقدر بـ2.99 تريليون جنيه.

ومثلت الفترة التي تلت خفض الجنيه في 6 مارس آذار الماضي إقبالاً كبيراً من المستثمرين الأجانب على شراء أذون الخزانة المصرية، وفقاً لعبدالعال.

وأضاف أنه عقب هذه الفورة حدث تشبع من المستثمرين الأجانب، لذلك هم الآن في حالة ترقب لما سيحدث في مصر سواء من ناحية سعر الصرف أو أسعار الفائدة.

ومع تراجع العائد على الاستثمار في أذون الخزانة جذبت عدة أوعية ادخارية أخرى المستثمرين المحليين، مثل الشهادات البنكية والحسابات البنكية اليومية التي تعطي عائداً يتخطى 21 في المئة دون أي ضرائب، وهو ما قد يكون خفض الطلب على أذون الخزانة، بحسب عبدالعال.

الاضطرابات الجيوسياسية وخفض الفيدرالي الفائدة

ولا يستبعد شوقي أثر التوترات الجيوسياسية المحيطة بالشرق الأوسط على الطلب بالنسبة لأدوات الدين المصرية، ويقول إن أي توترات تؤثر في إقبال المستثمرين على الاستثمار في المنطقة بالكامل، وليس مصر فقط.

وتقول منى بدير، الخبيرة الاقتصادية، إن مصر متأثرة بشكل كبير بالتوترات الجيوسياسية المحيطة بها والتي تتسع يوماً بعد يوم، وهذه التوترات ستسهم في تقلبات عديدة في الطلب على الأصول المقومة بالعملة المحلية.

وأضافت أن الأنباء حول إمكانية عدم خفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة هذا العام، ومن ثم استمرار ارتفاع الفائدة الأميركية يدعم تراجع شهية المستثمرين الأجانب على الأصول الأخرى حول العالم.

وخلال الأسبوع الماضي اقترحت ميشيل بومان، العضوة بمجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، أن يرفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة مرة أخرى أو يؤجل التخفيض الأول لسعر الفائدة؛ نظراً لوجود «الكثير من نشاط السوق المالية والكثير من النمو المستمر الذي لم نكن نتوقعه»، حسب قولها.