على بُعد خطوات من استاد القاهرة، يفتح مازن الصابوني باب شركته وقد كسى الغبار واجهة المدخل.. في الداخل ساعة توقفت عقاربها عند الحادية عشرة وخريطة للقاهرة بامتدادها الشاسعة التي لا تتوقف.

هنا كان مقر شركة فينيو المتخصصة في بيع وجبات المطاعم عن طريق محادثات تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، أوشكت فينيو أن تُنهي نشاطها بسبب نقص في المعلومات عن السكان وأنماط استهلاكهم، ما تسبب في خسارة نحو 125 ألف دولار.

يعرف الصابوني، الذي يبلغ من العمر 27 عاماً، أن شركة واحدة من كل عشر شركات ناشئة تستطيع النجاح، ولكنه لم يكن ليتصور أن تكون منصة فينيو العاملة بتقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن التسع شركات المقدر لها الاختفاء «بسبب الإخفاق في الحصول على المعلومات الدقيقة لبناء نموذج الأعمال»، على حد قوله.

وأوضح «هناك نقص كبير في المعلومات الخاصة بالأسواق في مصر.. لم نستطع أن نجد معلومات عن عدد زيارات أفراد الأسرة للمطعم في الشهر ولا عدد المرات التي تطلب فيها الأسرة التوصيل إلى المنزل أو حتى معدل إنفاق الأسرة الشهري في المطاعم، فقررنا أن نحصل على المعلومات بطريقتنا وبالنزول ميدانياً وبنينا نموذج الأعمال، ولكن بعد إطلاق التطبيق بقليل اكتشفنا أن كل شيء كان خطأ».

كان هذا المشهد في صيف 2022 أي بعد إطلاق فينيو أعمالها ببضعة أشهر.. خسر الصابوني وشريكه وصندوق رأس المال المخاطر الممول لفينيو نحو 125 ألف دولار بعد بضعة أشهر.

غياب رقمنة البيانات

عمر رزق مدير الاستشارات في مسرعة الأعمال «انطلاق»، قال في لقاء مع «CNN الاقتصادية» إن «مشكلة إتاحة البيانات تتسبب في تعطيل قرارات استثمارية مهمة جداً»، مضيفاً أن هناك جهات حكومية تعمل على إمكانية تفعيل إتاحة البيانات ولكن الوضع يحتاج إلى لكثير من العمل، إذ «يجب أن تكون البيانات متوفرة بشكل رقمي لتسهيل الحصول عليها.. ويجب أن تحدث بشكلٍ دوري وفعّال كي يستطيع المستثمر بناء صورة سليمة واتخاذ القرار بالاستثمار ويستطيع رواد الأعمال بناء شركاتهم على أفضل وجه».

ويعني رزق كل البيانات المتعلقة بالسكان وتوزيعهم وعاداتهم الاستهلاكية وأنماط الإنفاق الخاصة بهم، فهي كلها ضرورية لبناء نموذج أعمال سليم.

الذكاء الاصطناعي

أحمد الحلواني، هو رائد أعمال مصري قال إنه أطلق شركة بيانات إيه آي الناشئة التي تبني نموذج أعمالها على رقمنة البيانات الديموغرافية والاستهلاكية عن طريق الذكاء الاصطناعي وإتاحتها مروراً من الشركات إلى الحكومة وفي الاتجاه المعاكس من الحكومة إلى الشركات والمستثمرين.

وقال الحلواني في لقاء مع «CNN الاقتصادية» إن «البيانات موجودة، ولكنها ورقية وحبيسة المكاتب ولا تنتقل لمن يحتاجون إليها ولا يتم تحليلها لإيجاد معلومات وبالتالي الشركات تستنبطها بشكلٍ تقريبي، وهو ما يعرّض الشركات الناشئة لخطر الفشل».

ويقول محمد أبو النجا، الرئيس التنفيذي لشركة إيجزيتس العاملة في الاستثمار في رأس المال المخاطر، إن البيانات متاحة «ولكنها ليست مجمعة في مكان واحد وبعضها قديم وأنه يبني أعماله قبل منح التمويلات للشركات الناشئة بعد تطبيق منهج دقيق للحصول على البيانات من الأرض وعن طريق بعض الشركات من خارج مصر».

ولم يفصح أبو النجا عن تفاصيل الطريقة التي يعتمدها ولكنها أثبتت نجاحها، فالرجل يعرف جيداً أين يوجّه أموال إيجزيتس.. فهو يستثمر في شركات كبيرة مثل بريدفاست وحالاً، وهو أحد مهندسي عملية بناء فوري أكبر تطبيق للتكنولوجيا المالية في مصر.

في النهاية يأمل رزق أن يرتفع حجم الاستثمارات في مصر وأن تضاعف الـ608 ملايين دولار، التي دخلت مصر من بوابة ريادة الأعمال خلال عام 2023، في حالة سهولة إتاحة البيانات أمام رواد الأعمال.

أما الصابوني، فيحاول الآن بيع التطبيق إلى إحدى الشركات السعودية، ولكن عليه أن يحوّل نظام الرد بالذكاء الاصطناعي إلى اللهجة السعودية كي يلقى التطبيق نجاحاً هناك، كما أنه يعمل على تطوير نظام للذكاء الاصطناعي في إحدى شركات بيع السيارات في كندا سعياً للحصول على حصة قدرها 10 في المئة في الشركة الكندية مقابل تطويره لنورونيات -وحدات قياس قوة الذكاء الاصطناعي- للتطبيق الكندي.

وبحسب تقرير الجمعية الإفريقية لرأس المال المخاطر الصادر في مارس آذار الماضي، فإن ترتيب مصر قد تراجع في حجم عمليات استثمارات رأس المال المخاطر عام 2023 إلى المرتبة الرابعة إفريقياً بعد أن احتلت المركز الثاني على مستوى القارة في العام السابق.